تخطى إلى المحتوى

كيف يتم الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية في محاكم دبي؟

تنفيذ الأحكام الأجنبية هو موضوع مركزي في عالم النزاع الدولي والتجارة العابرة للحدود. في هذا المقال، سنستعرض بإسهاب كيفية تنفيذ حكم أجنبي في دبي: من الاعتراف به، إلى الشروط والإجراءات، والمعوقات، ودور أفضل محامي في دبي، مع أمثلة محلية تبيّن الصورة الواقعية.

للمساعدة في قضيتكم، يمكنكم التواصل مع مكتب محاماة في دبي لتقديم استشارة مخصصة وفورية.

تنفيذ الأحكام الأجنبية في محاكم دبي

عندما يُصدر حكم في دولة أجنبية ويرغب صاحب الحق في تنفيذه داخل دبي، لا يتم التنفيذ مباشرة، بل يجب أولًا الاعتراف به من المحكمة المختصة في الإمارة. هذا الاعتراف يمنح الحكم الأجنبي قوة تنفيذية ليُعامل كما لو كان حكمًا صادرًا عن محكمة محلية، من دون إعادة النظر في موضوع النزاع ذاته.

ويتميّز النظام القضائي في دبي بوجود مسارين: الأول النظام القضائي الاتحادي “على الشاطئ” (Onshore) الذي يُطبّق قانون الإجراءات المدنية الاتحادي وشروطه العامة، والثاني محاكم مركز دبي المالي العالمي (DIFC Courts) التي تستند إلى نظام قانوني خاص أقرب إلى القانون العام الإنجليزي، حيث تكون عملية الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية أكثر مرونة وسرعة مقارنة بالمسار الاتحادي التقليدي.

شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية في دبي

حتى يُعترف بالحكم الأجنبي ويُنفّذ داخل دبي، لا بد من استيفاء شروط قانونية دقيقة نصّ عليها قانون الإجراءات المدنية الاتحادي ولائحته التنفيذية، وأكدتها أحكام المحاكم الإماراتية. وأبرز هذه الشروط ما يلي:

  • عدم اختصاص المحاكم الإماراتية حصريًا بالنزاع
    يشترط أن يكون موضوع القضية ليس من ضمن المسائل التي تملك محاكم الإمارات فيها اختصاصًا حصريًا. فإذا كان النزاع يدخل في اختصاصها الحصري، يُرفض تنفيذ الحكم الأجنبي.
  • اختصاص المحكمة الأجنبية
    ينبغي أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة وفق قواعد الاختصاص الدولية في بلدها، وأن تكون قد نظرت في النزاع بشكل قانوني متوافق مع نظامها المحلي.
  • لتبليغ الصحيح وضمان حق الدفاع
    يجب أن يكون المحكوم عليه قد أُعلن إعلانًا صحيحًا، ومُنح فرصة كافية لتقديم دفاعه أمام المحكمة الأجنبية. أي إخلال بهذه القاعدة قد يؤدي إلى رفض طلب التنفيذ.
  • نهائية الحكم واكتسابه قوة الأمر المقضي به
    لا بد أن يكون الحكم الأجنبي نهائيًا وغير قابل للطعن في الدولة التي صدر عنها، بحيث لا يُعاد النظر في موضوع النزاع مجددًا أمام محاكم دبي.
  • عدم تعارض الحكم مع النظام العام أو حكم محلي سابق
    لا يجوز تنفيذ حكم أجنبي إذا كان مخالفًا للنظام العام أو الآداب العامة في الإمارات، أو إذا كان هناك حكم محلي سابق في الموضوع نفسه.
  • شرط المعاملة بالمثل (Reciprocity)
    في حال غياب معاهدة قضائية بين الإمارات والدولة المصدرة للحكم، قد يُشترط إثبات أن تلك الدولة تُنفذ بدورها الأحكام الإماراتية في محاكمها بالمعاملة بالمثل.

قد يهمك أيضًا:

الإعلان والإجراءات القانونية العادلة

من الشروط الأساسية لتنفيذ الأحكام الأجنبية في دبي أن يكون المدعى عليه قد تم تبليغه تبليغًا قانونيًا صحيحًا أمام المحكمة الأجنبية. ويجب أن يُمنح فرصة كاملة لتقديم دفاعه أو أن يمثله من ينوب عنه قانونًا.
أي إخلال بحقوق الدفاع، أو وجود نقص في الإجراءات التي تمس العدالة الأساسية مثل غياب الإخطار أو منع المدعى عليه من تقديم دفوعه، يؤدي إلى رفض الاعتراف بالحكم الأجنبي.

الحكم نهائي وله قوة الأمر المقضي به

يشترط أن يكون الحكم الأجنبي قد أصبح نهائيًا غير قابل للطعن في الدولة التي صدر عنها، أي أنه لا يزال في مرحلة استئناف أو نقض.
فقط الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به (res judicata) يمكن أن يُعترف بها ويُنفّذ في دبي، حتى لا يُعاد فتح النزاع ذاته أمام المحاكم المحلية.

عدم تعارض مع أحكام محلية أو النظام العام في الإمارات

يشترط القانون الإماراتي ألا يتعارض الحكم الأجنبي المطلوب تنفيذه مع أي حكم سابق صادر عن محاكم الإمارات في ذات النزاع، كما يجب ألا يتضمن الحكم ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة السائدة في الدولة.
فإذا ثبت وجود تعارض بين الحكم الأجنبي وحكم محلي واجب النفاذ، أو إذا حمل الحكم عناصر مخالفة للقيم الجوهرية في الإمارات، فإن المحكمة ترفض طلب التنفيذ.

مبدأ المعاملة بالمثل (Reciprocity)

في حال لم تكن هناك معاهدة قضائية أو اتفاق ثنائي بين الإمارات والدولة التي صدر منها الحكم، يُشترط عادة إثبات مبدأ المعاملة بالمثل. أي أنه يجب أن يثبت طالب التنفيذ أن تلك الدولة الأجنبية بدورها تعترف وتنفذ الأحكام الصادرة عن محاكم الإمارات بالشروط نفسها.
هذا المبدأ يُعد وسيلة لحماية التوازن بين الأنظمة القضائية وضمان العدالة المتبادلة في تنفيذ الأحكام عبر الحدود.

متى يتم الاعتراف بالحكم الأجنبي في الإمارات؟

يُعترف بالحكم الأجنبي في الإمارات عند تقديم طلب إلى محكمة التنفيذ المختصة مرفقًا بالوثائق المطلوبة، وبعد أن تتحقق المحكمة من استيفاء الشروط القانونية الواردة في المادة 222 من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم 42 لسنة 2022 ولائحته التنفيذية.

وفي حال وجود معاهدة قضائية دولية أو اتفاق ثنائي بين الإمارات والدولة المصدرة للحكم، فإن هذه المعاهدة تُطبّق مباشرة وتُقدَّم على القواعد العامة، التزامًا بمبدأ الأسبقية الدولية.

أما في محاكم DIFC، فتُطبَّق قواعد أكثر مرونة، حيث يمكن الاعتراف بالأحكام الأجنبية بسهولة أكبر إذا استوفت الحد الأدنى من الشروط، نظرًا لاستقلال نظامها القضائي عن المحاكم الاتحادية.

تعرف أيضًا على:

الوثائق المطلوبة لتصديق الحكم

عند تقديم طلب الاعتراف بالحكم الأجنبي وتنفيذه أمام محاكم دبي، يجب إرفاق مجموعة من المستندات التي تُثبت صحة الحكم واستيفاء الشروط القانونية. وأبرز هذه الوثائق:

  • نسخة أصلية أو صورة مصدقة من الحكم الأجنبي مرفقة بشهادة تُثبت أنه حكم نهائي واجب النفاذ وله قوة الأمر المقضي به.
  • ترجمة رسمية إلى اللغة العربية إذا كان الحكم صادراً بلغة أخرى، ويجب أن تكون الترجمة معتمدة ومصدقة.
  • تصديق الحكم من الجهات الدبلوماسية المختصة، مثل سفارة الإمارات في بلد صدور الحكم أو وزارة الخارجية هناك، ثم التصديق في وزارة الخارجية الإماراتية أو وزارة العدل حسب الحالة.
  • إثبات هوية الأطراف ومحل إقامتهم، إضافة إلى ما يفيد أن طالب التنفيذ أو وكيله يملك الصفة القانونية لتقديم الطلب.
  • إثبات مبدأ المعاملة بالمثل (عند غياب معاهدة قضائية بين البلدين)، أي تقديم دليل على أن الدولة المصدرة للحكم تعترف بأحكام الإمارات وتنفيذها وفق نفس الشروط.

العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والتنفيذ المحلي

تلعب الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الثنائية أو متعددة الأطراف دورًا محوريًا في تسهيل تنفيذ الأحكام الأجنبية في دبي. فإذا كانت الإمارات طرفًا في معاهدة تنص صراحة على الاعتراف المتبادل بالأحكام القضائية، فإن هذه المعاهدة تُطبَّق مباشرة وتُقدَّم على القواعد العامة، مما يُغني عن إثبات مبدأ المعاملة بالمثل ويُقلل من مخاطر رفض التنفيذ.

أمثلة على أحكام أجنبية تم تنفيذها في دبي

لم تقتصر النصوص القانونية على الجانب النظري، بل طبّقتها محاكم دبي في عدة سوابق قضائية بارزة، منها:

  • تنفيذ أحكام صادرة من كندا وإنجلترا: اعترفت محاكم دبي ونفذت أحكامًا أجنبية تتعلق بقضايا تجارية وتقسيم أصول، مما أكد انفتاح النظام القضائي على التعاون الدولي.
  • تنفيذ حكم صادر من بولندا: في حكم نقض حديث، قضت محكمة دبي بتنفيذ حكم بولندي على الرغم من إقامة المدعى عليه داخل الدولة، موضحة أن الولاية الجزئية للمحاكم الإماراتية لا تمنع التنفيذ طالما أن النزاع لا يدخل في اختصاصها الحصري.
  • رفض تنفيذ حكم إفلاس أجنبي: رفضت محكمة دبي تنفيذ حكم إفلاس صادر في الخارج بسبب طابعه الإشهاري (declaratory)، مؤكدة أن مثل هذه الأحكام لا تُنفذ إلا إذا نصّت معاهدة دولية بوضوح على ذلك.

ومن أبرز الأمثلة على هذه الاتفاقيات:

  • اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لتنفيذ الأحكام.
  • الاتفاقيات القضائية العربية المبرمة بين الدول العربية.
  • الاتفاقيات الثنائية التي عقدتها الإمارات مع بعض الدول مثل الهند، فرنسا، والصين، والتي تتيح الاعتراف بالأحكام القضائية وتسهيل إجراءات تنفيذها.

أما في حال غياب معاهدة قضائية، فإن المرجع يبقى هو القانون الإماراتي المحلي ومبدأ المعاملة بالمثل الذي يفرض على طالب التنفيذ إثبات أن الدولة المصدرة للحكم تُنفذ بدورها الأحكام الإماراتية في محاكمها.

الأسئلة الشائعة

الأحكام الأجنبية المتعلقة بالأحوال الشخصية كالطلاق أو النفقة لا يُعترف بها عادة إلا إذا وُجدت معاهدة قضائية أو اتفاق دولي خاص، كما تُراجع المحاكم الإماراتية هذه الأحكام بعناية للتأكد من عدم تعارضها مع النظام القانوني الإسلامي في الدولة.

نعم، يجوز الطعن في قرار الاعتراف أو التنفيذ عبر الاستئناف، لكن الطعن لا يوقف التنفيذ تلقائيًا إلا إذا قررت المحكمة ذلك بناءً على طلب من المدعى عليه.

المدة الزمنية لاعتماد حكم أجنبي إذا لم يُقدَّم اعتراض، قد يُصدر قاضي التنفيذ أمر التنفيذ خلال نحو 5 أيام وفق المادة 222 من قانون الإجراءات المدنية. أما في القضايا المعقدة أو التي تشهد اعتراضات، فقد تمتد الإجراءات لعدة أشهر.

إذا لم يكن هناك معاهدة بين الإمارات والدولة المصدرة للحكم في هذه الحالة يُعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل؛ أي أنه يجب إثبات أن الدولة التي صدر منها الحكم تعترف بدورها بأحكام المحاكم الإماراتية. وإذا تعذر إثبات ذلك، قد يُرفض التنفيذ.

تنفيذ الأحكام الأجنبية في دبي عملية دقيقة تجمع بين القانون الدولي والقانون المحلي، وتستدعي فهماً عميقاً لشروط الاعتراف والتنفيذ والإجراءات القانونية. وكما رأينا، وجود معاهدة يُسهّل الأمور، لكن غيابها لا يعني العجز التام — بالكفاءة القانونية يمكن التغلب على العقبات.

للحصول على استشارة قانونية مخصّصة من مكتبنا في دبي، اتصل بنا الآن لتوجيهكم إلى أفضل المسارات القانونية.

اقرأ أيضًا عن:

المصادر التشريعية والرسمية الأساسية:

  • المادة 222 من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي الجديد رقم 42 لسنة 2022 (قانون المرافعات المدنية).
  • اللوائح التنفيذية ذات الصلة (أما من خلال قرار مجلس الوزراء أو قرارات تنفيذية قديمة).
  • آراؤها وأحكام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف في دبي بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية.